في خضمّ قسوة الحياة في مخيمات النازحين شمال غزة، حيث مزّقت الحرب نسيج الحياة، تحوّل عملٌ بسيطٌ إلى بادرة أملٍ ثورية: خبز الخبز. بالنسبة للعائلات المتجمعة في الخيام، يُعدّ الخبز أكثر من مجرد قوت؛ إنه رمزٌ للحياة الطبيعية، وركيزةٌ أساسيةٌ للكرامة، وتذكيرٌ ملموسٌ بأنهم لم يُنسوا. وإدراكًا لهذه الحاجة الماسة، شرعت جمعية الأمل للمرأة والطفل في مهمةٍ حيوية: إنشاء وتشغيل مشروعٍ لإنتاج وتوزيع الخبز، لا يقتصر على توفير الغذاء فحسب، بل يُضفي أيضًا لمسةً من الدفء والإنسانية على من يُعانون من ظروفٍ لا تُطاق. يُجسّد هذا المشروع التزامًا راسخًا بالحياة نفسها، رغيفًا تلو الآخر

التحـديات

كان تنفيذ هذا المشروع إنجازًا كبيرًا في ظل ظروف صعبة للغاية. واجه فريقنا كوابيس لوجستية يومية: تأمين الدقيق والخميرة في مكان تُغلق فيه الحدود وتُقطع فيه سلاسل التوريد، وتوفير الوقود لمولدات الأفران وسط حصار خانق، واجتياز الطرق المتضررة بالقنابل لتوصيل الخبز بأمان. كان التهديد الدائم بالغارات الجوية يعني أن خبازينا ومستفيدينا كانوا في خطر دائم. ولعل التحدي الأشد إيلامًا كان حجم الاحتياجات الهائل – طوابير طويلة يائسة من الأطفال الجائعين والآباء المنهكين، تعكس عيونهم خوفًا لا يمكن لأي مشروع أن يمحوه تمامًا، مما يذكرنا بأن جهودنا، على الرغم من أهميتها، كانت قطرة في بحر من المعاناة

كيف تمكننا من التغلب على التحديات؟

في مواجهة هذه العقبات الهائلة، ازدادت عزيمتنا صلابة. رفضنا أن نستسلم لليأس. ولتأمين المكونات، بنى فريقنا شبكات مع الموردين المحليين ووكالات الإغاثة الدولية، وتفاوض بلا كلل لتوفير أكياس الدقيق الثمينة. وعندما شحّ الوقود، عدّلنا مواعيد خبزنا للاستفادة القصوى من كل لتر. ولضمان توزيع عادل وآمن، نظّمنا نظامًا مع متطوعين من المجتمع المحلي، مع إعطاء الأولوية للأسر الأكثر ضعفًا التي تضم أطفالًا صغارًا وكبار السن، والذين وصلوا بلا شيء. أصبح هذا المشروع شهادة على الإبداع والتضامن الفلسطيني، ومثالًا قويًا على كيف يمكن للمجتمعات، حتى في أحلك الظروف، أن تتكاتف معًا لخلق النور ودعم بعضها البعض

ثمرات جهودنا

لا يقتصر أثر هذا المشروع على عدد أرغفة الخبز الموزعة فحسب، بل يتجلى في ابتسامة أمٍ مرتاحة تُخفف أخيرًا من جوع طفلها. ويتجلى في تجمع العائلات الصغير حول وجبة دافئة مشتركة، في عودة عابرة إلى طقوس سلبتها الحرب. هذا الخبز لا يملأ البطون فحسب، بل يُغذي الروح. إنه رسالة صامتة لكل نازح: “أنت مرئي. أنت ذو قيمة. بقاءك مهم”. بالنسبة لفريقنا، فإن أعظم نتيجة هي استعادة الكرامة، وإدراكنا أننا بتوفيرنا هذه الحاجة الإنسانية الأساسية، نُقدم دعمًا عاطفيًا لا يقل أهمية عن أي دعم آخر، مؤكدين أنه حتى في خضم الدمار، تبقى الحياة والحب قائمين

.. رسالتنا لكم

يطول طابور الخبز يومًا بعد يوم. لم تخفّ الحاجة، بل ازدادت. لا يزال فرن جمعية الأمل يشتعل، لكنه يشتعل بوقود الرحمة، رحمة يجب أن تُغذّى باستمرار بسخاء أولئك الذين يؤمنون بعالم لا ينبغي أن ينام فيه أي طفل جائعًا. تبرعكم ليس مجرد مساهمة مالية؛ بل هو عنصر أساسي في هذه الوصفة للبقاء. إنه الدقيق والخميرة والدفء الذي يُبقي الموقد مشتعلًا. بدعمكم لهذا المشروع، أنتم لا تُقدمون الخبز فحسب؛ بل تُعطون الأمل، وتُحافظون على الكرامة، وتختارون الوقوف إلى جانب الحياة. من فضلكم، ساعدونا على إبقاء الأفران مشتعلة